بسم [size=21]الله الرحمن الرحيم
السحور للصائم
س : أفيدونا عن السحور .. هل هو شرط في صحة الصوم ، أم أنه ليس كذلك ؟؟
ج: السحور ليس شرطاً في الصيام، وإنما هو سنة، عن النبي صلي الله عليه وسلم فعلها وأمر بها ، وقال
تسحروا ، فإن في السحور بركة ) (متفق عليه من حديث أنس) . فيسن السحور
ويسن تأخيره ، لأنه مما يقوي المسلم على الصيام ، ويخفف عنه مشقة الصوم ؛
لأنه يقلل مدة الجوع والعطش ، وقد جاء هذا الدين بالميسرات ، التي تيسر
على الناس عباداتهم ، وترغبهم فيها ، ومن ذلك تعجيل الفطور وتأخير السحور
، فيسن للمسلم الصائم أن يقوم إلى السحور ويتسحر ولو بالقليل ولو بتمرة أو
شربة ماء، عملا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي السحور فائدة
أخرى روحية ، وهي التنبه والاستيقاظ قبل الفجر ، ساعة السحور التي يتجلى
الله فيها لعباده ، فيجيب من دعا ، ويغفر لم استغفر ، ويتقبل ممن عمل
صالحاً . وما أعظم الفرق بين من يقضي هذا الوقت ذاكراً تالياً ، من يمر
عليه راقداً نائماً.
[color=blue][b][u][font=Arial Black][size=21]إفطار الكبير والحامل والمرضع
س: هل يجوز للشيخ كبير السن أن يفطر في رمضان وماذا يجب عليه عند ذلك ؟
وهل يصح للمرأة الحامل أن تفطر في رمضان خوفاً على الجنين أن يموت ؟ وماذا
يجب عليها ؟ وهل يجوز استعمال الطيب في شهر رمضان ؟
ج: أما السؤال الأول فأجيب عنه بأنه يجوز لمثل هذا الشيخ الكبير الذي
يجهده الصوم ويشق عليه مشقة شديدة ، ومثله المرأة العجوز طبعاً ، يجوز
لهما أن يفطرا في رمضان ، ومثلهما كل مريض لا يرجى شفاؤه من مرضه .
المريض مرضاً مزمناً ، قرر الأطباء أنه مستعص على العلاج ، أو أنه مزمن
معه ، يجوز له أن يفطر ، وهؤلاء إذا أفطروا عليهم فدية طعام مسكين عن كل
يوم ، رخصة من الله وتيسيراً . وقال تعالى : (يريد الله بكم اليسر ولا
يريد بكم العسر)البقرة:185 ، (وما جعل عليكم في الدين من حرج)الحج:78 وقال
ابن عباس رضي الله عنهما : (رخص للشيخ الكبير أن يفطر ، ويطعم عن كل يوم
مسكيناً ، ولا قضاء عليه) ( رواه الدارقطني والحاكم وصححاه )، وروى
البخاري عنه قريباً من هذا : أن في الشيخ الكبير ونحوه نزل قوله تعالى : (
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له
)البقرة:184 أي من زاد عن طعام المسكين فهو أفضل وأبقى له عند الله .
فالشيخ الكبير ، والمرأة العجوز ، والمريض الذي لا يرجى برؤه من مرضه ، كل
هؤلاء لهم أن يفطروا ويتصدقوا عن كل يوم طعام مسكين …
وأما السؤال الثاني : هل يصح للمرأة الحامل أن تفطر في رمضان إذا خافت على
جنينها أن يموت ؟ فنعم ..لها أن تفطر .. بل إذا تأكد هذا الخوف أو قرره
لها طبيب مسلم ثقة في طبه ودينه ، يجب عليها أن تفطر حتى لا يموت الطفل ،
وقد قال تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم )الانعام:151، والاسراء:31 وهذه نفس
محترمة، لا يجوز لرجل ولا لامرأة أن يفرط فيها ويؤدي بها إلى الموت .
والله تعالى لم يعنت عباده أبداً، وقد جاء عن ابن عباس أيضاً أن الحامل
والمرضع ممن جاء فيهم ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) .
وإذا كانت الحامل والمرضع تخافان على أنفسهما فأكثر العلماء على أن لهما
الفطر وعليهما القضاء فحسب .. وهما في هذه الحالة بمنزلة المريض .
أما إذا خافت الحامل أو خافت المرضع على الجنين أو على الولد ، نفس هذه
الحالة اختلف العلماء بعد أن أجازوا لها الفطر بالإجماع ، هل عليها القضاء
أم عليها الإطعام تطعم عن كل يوم مسكيناً ، أم عليها القضاء والإطعام معاً
، اختلفوا في ذلك ، فابن عمر وابن عباس يجيزان لها الإطعام وأكثر العلماء
أن عليها القضاء ، والبعض جعل عليها القضاء والإطعام ، وقد يبدو لي أن
الإطعام وحده جائز دون القضاء ، بالنسبة لامرأة يتوالى عليها الحمل
والإرضاع ، بحيث لا تجد فرصة للقضاء ، فهي في سنة حامل ، وفي سنة مرضع ،
وفي السنة التي بعدها حامل .. وهكذا .. يتوالى عليها الحمل والإرضاع بحيث
لا تجد الفرصة للقضاء ، فإذا كلفناها قضاء كل الأيام التي أفطرتها للحمل
أو للإرضاع معناها أنه يجب عليها أن تصوم عدة سنوات متصلة بعد ذلك ، وفي
هذا عسر ، والله لا يريد بعباده العسر . هذا بالنسبة للسؤال الثاني .
وأما السؤال الثالث عن استعمال الطيب في شهر رمضان فهو جائز ولم يقل أحد
بحرمة استعمال الطيب في رمضان ولا بأنه مفسد للصوم ، والله أعلم .
س: لقد أجريت لي عدة عمليات ، ومنعني الطبيب من الصيام، وصمت بعد العمليات
بسنتين وتعبت من ذلك الصيام، وأنا رجل عاقل، فهل يصح لي أن أتصدق بدل
الصيام؟ وهل يصح لي أن أعطي نقوداً لبعض الضعفاء والمحتاجين نظير إفطاري
في نهار رمضان؟
ج: أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض ، لقوله تعالى : ( شهر رمضان
الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فمن شهد منكم
الشهر فليصمه ، ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ، يريد الله
بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )البقرة:185 فبالنص والإجماع يجوز الفطر
للمريض ، ولكن ما المرض المبيح للفطر ، إنه المرض الذي يزيده الصوم ، أو
يؤخر الشفاء على صاحبه ، أو يجعله يتجشم مشقة شديدة ، بحيث لا يستطيع أن
يقوم بعمله الذي يتعيش منه ويرتزق منه ، فمثل هذا المرض هو الذي يبيح
الفطر ، فيل للإمام أحمد : متى يفطر المريض ؟ قال : إذا لم يستطع . قيل له
: مثل الحمى ؟ قال : وأي مرض أشد من الحمى ؟ وذلك ، أن الأمراض تختلف ،
فمنها مالا أثر للصوم فيه ، كوجع الضرس وجرح الإصبع والدمل الصغير وما
شابهها ، ومنها ما يكون الصوم علاجاً له ، كمعظم أمراض البطن ، من التخمة
، والإسهال ، وغيرها فلا يجوز الفطر لهذه الأمراض ، لأن الصوم لا يضر
صاحبها بل ينفعه ، ولكن المبيح للفطر ما يخاف منه الضرر . والسليم الذي
يخشى المرض بالصيام ، يباح له الفطر أيضاً كالمريض الذي يخاف زيادة المرض
بالصيام. وذلك كله يعرف بأحد أمرين :
إما بالتجربة الشخصية . وإما بإخبار طبيب مسلم موثوق به ، في فنه وطبه ،
وموثوق به في دينه وأمانته ، فإذا أخبره طبيب مسلم بأن الصوم يضره ، فله
أن يفطر ، وإذا أبيح الفطر للمريض ولكنه تحمل وصام مع هذا فقد فعل مكروهاً
في الدين لما فيه من الإضرار بنفسه ، وتركه تخفيف ربه وقبول رخصته ، وإن
كان الصوم صحيحاً في نفسه ، فإن تحقق ضرره بالصيام وأصر عليه فقد ارتكب
محرماً ، فإن الله غني عن تعذيبه نفسه . قال تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم
. إن الله كان بكم رحيماً)النساء:29 .
بقي شيء من سؤال السائل وهو : هل يجوز له أن يتصدق بدل الأيام التي أفطرها
وهو مريض ؟ فنقول له : المرض نوعان : مرض مؤقت يرجى الشفاء منه وهذا لا
يجوز فيه فدية ولا صدقة ، بل لابد من قضائه كما قال تعالى : ( فعدة من
أيام أخر ) فإذا أفطر شهراً فعليه شهر وإذا أفطر يوماً فعليه يوم ، فإذا
أفطر أياماً فعليه أن يقضي مثلها حين يأتيه الله بالصحة وتتاح له فرصة
القضاء .. هذا هو المرض المؤقت .
أما المرض المزمن فحكم صاحبه كحكم الشيخ الكبير والمرأة العجوز إذا كان
المرض لا يرجى أن يزول عنه . ويعرف ذلك بالتجربة أو بإخبار الأطباء فعليه
الفدية : إطعام مسكين . وعند بعض الأئمة - كأبي حنيفة - يجوز له أن يدفع
القيمة نقوداً إلى من يرى من الضعفاء والفقراء والمحتاجين .
استعمال الحقنة الشرجية واللبوس ونحوها للصائم
س: هل تفطر الحقن التي تؤخذ في الوريد أو العضل ، وكذلك الحقن الشرجية
واستعمال المرهم أو اللبوس في فتحة الشرج لأجل البواسير أو غيرها ؟
ج: لا يجهل أحد معنى الصوم البسيط ، وهو الامتناع عن الأكل والشرب ومباشرة
النساء ، وهي أمور نص عليها القرآن . ولا يجهل أحد كذلك معنى هذه الأمور
الممنوعة ، فقد كان يفهمها بداة الأعراب في عهد النبوة ، ولم يحتاجوا في
فهم معنى الأكل أو الشرب إلى حدود وتعريفات منطقية . ولا يجهل أحد كذلك
الحكمة الأولى للصيام ، وهي إظهار العبودية لله تعالى بترك شهوات الجسد
طلباً لمرضاته سبحانه كما قال في الحديث القدسي ( كل عمل ابن آدم له إلا
الصوم فإنه لي ، وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي )رواه
البخاري .
وإذا تبين ذلك رأينا أن تعاطي الحقن بأنواعها ، واستعمال المراهم ونحوها
مما ذكره السائل ليس أكلا ولا شراباً في لغة ولا عرف ، ولا تنافي قصد
الشارع من الصيام فهي لذلك لا تفطر . ولا موضع للتشديد في أمر لم يجعل
الله فيه من حرج ، قال تعالى في آية الصيام ( يريد الله بكم اليسر ولا
يريد العسر )البقرة : 185 قال ابن حزم : لا ينقض الصوم حقنة (يعنون بها
الحقنة الشرجية إذ الحقن العرقية والجلدية لم تكن عرفت في عهدهم) ولا سعوط
" نشوق " ولا تقطير في أذن أو في إحليل أو في أنف ولا استنشاق وإن بلغ
الحلقوم ، ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد ، ولا كحل وإن بلغ إلى الحلق
نهاراً أو ليلاً ، بعقاقير أو غيرها ، ولا غبار طحن ، أو غربلة دقيق أو
حناء أو عطر ، أو حنظل ، أو أي شئ كان ، ولا ذباب دخل الحلق بغلبة …الخ .
واستدل ابن حزم لما ذهب إليه فقال : " إنما نهانا الله في الصوم عن الأكل
والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي . وما علمنا أكلاً ولا شرباً يكون من
دبر أو إحليل أو أذن أو عين أو أنف أو من جرح في البطن أو الرأس . وما
نهينا قط عن أن نوصل إلى الجوف - بغير الأكل والشرب - ما لم يحرم علينا
إيصاله " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الكحل والحقنة والتقطير في الإحليل ووصول
الدواء إلى الجوف عن طريق جراحة .. الخ . : " الأظهر أنه لا يفطر بشيء من
ذلك فإن الصيام من دين الإسلام الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام ، فلو
كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان
هذا مما يجب على الرسول بيانه ، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة
كما بلغوا سائر شرعه . فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله
عليه وسلم في ذلك حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً علم أنه
لم يذكر شيئاً من ذلك والله أعلم .
هل يقبل صيام تارك الصلاة ؟
س: هل يقبل الصيام من تارك الصلاة ؟ أم أن العبادات كلها مقرونة بعضها ببعض بحيث لا يقبل شيء منها إذا ترك الآخر ؟
ج: المسلم مطالب أن يؤدي العبادات كلها : يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم
رمضان ويحج البيت متى استطاع إليه سبيلا . فمن ترك واحدة من هذه الفرائض
بغير عذر يعتد الله به ، فلعلماء الإسلام فيه آراء شتى ، فمنهم من يذهب
إلى كفره بترك أي واحدة منها . ومنهم من يكفر تارك الصلاة ومانع الزكاة .
ومنهم من يكفر تارك الصلاة فحسب ، لمنزلتها في دين الله ولما ورد أن ( بين
العبد وبين الكفر ترك الصلاة ) رواه مسلم.
ومن ذهب إلى تكفير تارك الصلاة عمداً ، فلا يظن أن يقبل صومه ، إذ الكافر لا تقبل له عبادة أصلاً.
ومنهم من يبقي عليه إيمانه وإسلامه ما دام مصدقاً بالله ورسوله وما جاء به
غير جاحد ولا مرتاب . ويكتفي هذا الفريق من العلماء بوصفه بالفسوق عن أمر
الله .
ولعل هذا الرأي - والله أعلم - هو أعدل الأقوال وأقربها . وعلى هذا فإذا
قصر لكسل أو هوى في بعض الفرائض - غير منكر ولا مستهزئ - وأدى البعض الآخر
، كان ناقص الإسلام ، ضعيف الإيمان ، ويخشى على إيمانه إذا استمر على
الترك . ولكن الله تعالى لا يضيع أجر عمل أحسنه . بل له عند الله بقدر
عمله : له مثوبة ما أدى . وعليه وزر ما فرط ( وكل صغير وكبير مستطر) القمر
:53 ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )الزلزلة
: 7،8.
إفطار بعض الأيام عمدًا في رمضان
س : ما حكم من صام أياماً من رمضان وأفطر أياماً أخر متعمداً ؟ أتحتسب له الأيام التي صامها أم لا تحتسب ؟
ج: هذا السؤال من جنس السؤال السابق ، وجوابنا عليه أن كل شيء بحسابه .
والمسألة ليست في الأيام التي صامها هل تحسب أم لا ؟ بل في الأيام التي
أفطرها هل تعوض أم لا ؟ . ولا يمكن أن يعوض يوم من رمضان إلا بيوم مثله من
رمضان آخر ، وكل رمضان يأتي مشغول بواجب الصوم فيه لا محالة . ولذلك قال
أبو هريرة رضي الله عنه : ( من أفطر يوماً من أيام رمضان لم يعوضه يوم من
أيام الدنيا )( رواه الترمذي واللفظ له ، وأبو داود والنسائي وابن ماجة
وابن خزيمة والبيهقي عن أبي هريرة وفي أحد رجاله مقال .) ويروى عنه أن
رجلاً أفطر في رمضان فقال أبو هريرة : لا يقبل منه صوم سنة . وعن ابن
مسعود : من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر وإن صامه
. ويروى عن أبي بكر وعلي نحو ذلك .. فليتق الله امرؤ مسلم في دينه، وليحرص
على صيام رمضان ، ولينتصر على شهواته ، فمن انهزم أمام بطنه لم ينتصر في
ميدان من الميادين .
تأثير المعاصي على الصيام
س : ما حكم صائم رمضان إذا اغتاب أو كذب أو نظر إلى أجنبية بشهوة . أيصح صيامه أم يبطل ؟.
ج: الصوم النافع المقبول هو الذي يهذب النفس ، ويقوي إرادة الخير ، ويثمر
التقوى المذكورة في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام
كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )البقرة : 183 . والواجب على
الصائم أن يكف عن كل قول أو فعل يتنافى وصومه حتى لا يكون حظه من صيامه
الجوع والعطش والحرمان . وفي الحديث : ( الصيام جنة فإذا كان يوم صوم
أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ، وإذا سابه أو قاتله أحد فليقل : إني صائم )
رواه الشيخان . وقال عليه السلام : ( رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ،
ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ) (رواه النسائي وابن ماجة والحاكم ،
وقال : صحيح على شرط البخاري) . وقال صلوات الله عليه ( من لم يدع قول
الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) .( رواه
البخاري وأحمد وأصحاب السنن ).. قال ابن العربي : مقتضى هذا الحديث ألا
يثاب على صيامه ، ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور
وما ذكر معه .
ورأى ابن حزم: أن هذه الأشياء تبطل الصوم كما يبطله الطعام والشراب ، وروى عن بعض الصحابة والتابعين ما يفهم منه هذا .
ونحن - وإن لم نقبل برأي ابن حزم - نرى أن هذه المعاصي تضيع ثمرة الصيام
وتفسد المقصود من شرعيته ، ومن أجل ذلك كان سلف الأمة الصالحون يهتمون
بالصوم عن اللغو والحرام كما يهتمون بالصوم عن الشراب والطعام .. قال عمر
رضي الله عنه : ( ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب
والباطل واللغو ) . وروى عن علي مثله .. وعن جابر قال: ( إذا صمت فليصم
سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ، ودع أذى الخادم ، وليكن عليك وقار
وسكينة يوم صيامك ، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء ) . وقال أبو ذر
لطليق بن قيس : ( إذا صمت فتحفظ ما استطعت ) ، فكان طليق إذا كان يوم
صيامه دخل فلم يخرج إلا إلى صلاة . وكان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا
جلسوا في المسجد وقالوا : نطهر صيامنا .. وعن ميمون بن مهران : ( أهون
الصيام الصيام عن الطعام والشراب ) .. وأياً ما كان الأمر فللصوم أثره
وثوابه ، وللغيبة والكذب ونحوه عقابها وجزاؤها عند الله ( وكل شيء عنده
بمقدار )الرعد : 8 . وكل عمل بحساب وميزان( لا يضل ربي ولا ينسى )طه : 52.
وتأمل هذا الحديث النبوي عن دقة الحساب الإلهي في الآخرة تجد فيه الجواب
الكافي عن هذا السؤال والسؤالين قبله : روى الإمام أحمد والترمذي عن عائشة
رضي الله عنها أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين
يديه فقال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويعصونني ، وأضربهم
وأشتمهم ، فكيف أنا منهم؟ . ( يعني يوم القيامة ) فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم : (يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك ، وعقابك إياهم ، فإن كان
عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك ، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم
كان كفافا لا لك ولا عليك ، وإن كان عقابك فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل
الذي بقى قبلك) فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويهتف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماله لا يقرأ كتاب الله ؟ (
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً ، وإن كان مثقال حبة
من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) الأنبياء : 47 . فقال الرجل يا رسول
الله : ما أجد شيئاً خيراً من فراق هؤلاء - يعني عبيده - إني أشهدك أنهم
أحرار كلهم .
المضمضة والاستنشاق للصائم
س: هناك من يقول بأن المضمضة أو الاستنشاق في الوضوء يؤثر على صحة صيام الصائم ، فما مدى صدق هذا القول ؟
ج: المضمضة والاستنشاق في الوضوء ، إما سنتان من سننه كما هو مذهب الأئمة
الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي ، وإما فرضان من فروضه كما هو مذهب
الإمام أحمد الذي اعتبرهما جزءاً من غسل الوجه المأمور به . وسواء كانتا
من السنن أم الفرائض ، فلا ينبغي تركهما في الوضوء في صيام أو فطر .
كل ما على المسلم في حالة الصيام ألا يبالغ فيهما . كما يبالغ في حالة
الإفطار فقد جاء في الحديث : ( إذا استنشقت فأبلغ ألا أن تكون صائماً )
(أخرجه الشافعي وأحمد والأربعة والبيهقي .). فإذا تمضمض الصائم أو استنشق
وهو يتوضأ ، فسبق الماء إلى حلقه من غير تعمد ولا إسراف ، فصيامه صحيح ،
كما لو دخل غبار الطريق ، أو غربلة الدقيق ، أو طارت ذبابة إلى حلقه ، لأن
كل هذا من الخطأ المرفوع عن هذه الأمة . وإن خالف في ذلك بعض الأئمة . على
أن المضمضة لغير الوضوء أيضاً لا تؤثر على صحة الصيام . ما لم يصل الماء
إلى الجوف .
السحور عند أذان الفجر
س: إذا تأخر الإنسان في السحور مجبراً ، كأن يغلبه النوم ، وسمع أذان
الفجر وكان ما يزال يأكل طعام سحوره ، فهل يترك الطعام فور سماعه الأذان ؟
أم من الجائز الاستمرار في الأكل حتى انتهاء الأذان .
ج: إذا تأكد أن آذان الفجر في موعده المضبوط ، حسب التقويم المحلي للبلد
الذي يصوم فيه ، وجب عليه أن يترك الأكل والشرب فور سماعه الأذان ، بل لو
كان في فمه طعام وجب عليه أن يلفظه حتى يصح صومه . أما إذا كان يعرف أن
الأذان قبل موعده بدقائق ، أو على الأقل يشك في ذلك فمن حقه أن يأكل أو
يشرب حتى يستيقن من طلوع الفجر . وهذا ميسور الآن بواسطة التقويم (
الإمساكيات ) والساعات الدقيقة التي لا يخلو منها بيت .
قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما : إني أتسحر ، فإذا شككت أمسكت . قال
ابن عباس : كل ، ما شككت حتى لا تشك . وقال الإمام أحمد : إذا شك في الفجر
يأكل حتى يستيقن طلوعه .
وقال النووي : وقد اتفق أصحاب الشافعي على جواز الأكل للشاك في طلوع الفجر
: والدليل على ذلك أن الله تعالى أباح الأكل والشرب في ليلة الصيام إلى
غاية هي تبين الفجر ، والشاك لم يتبين له الفجر ، قال تعالى : ( فالآن
باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
الأبيض من الأسود من الفجر ) البقرة : 187.
ومن هنا نتبين أن الإمساك مدة من الزمن قبل الفجر بصفة دائمة لم يرد به
كتاب ولا سنة وهو لون من الغلو في الدين ، وينافي ما جاء في السنة من
استحباب تأخير السحور . والله أعلم .
أكل الصائم أو شربه ناسيًا
س: كثيراً ما ينسى الناس في بداية شهر رمضان . فيأخذ أحدهم كوب ماء أو
سيجارة أو أي شيء آخر ويضعه في فمه . ثم يتذكر أنه صائم . ويكون قد أكل
فعلا أو شرب .فهل يجوز له استكمال صيام يومه ؟
ج: جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من
نسي وهو صائم فأكل وشرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه ) . وفي
لفظ للدارقطني بإسناد صحيح . (فإنما هو رزق ساقه الله إليه ، ولا قضاء
عليه ..) وفي لفظ آخر للدارقطني وابن خزيمة وابن حبان والحاكم .. ( من
أفطر من رمضان ناسياً ، فلا قضاء عليه ولا كفارة ) . وإسناده صحيح أيضاً
قاله الحافظ ابن حجر .
وهذه الأحاديث صريحة في عدم تأثير الأكل والشرب نسياناً على صحة الصوم ،
وهو الموافق لقوله تعالى : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )البقرة
: 286 وقد ثبت في الصحيح أن الله أجاب هذا الدعاء .
كما ثبت في حديث آخر : ( إن الله وضع عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) .
فعلى الصائم الذي أكل وشرب ناسياً أن يستكمل صيام يومه ، ولايجوز له الفطر . وبالله التوفيق .
زكاة الفطر لمن صام في بلد وعيَّد في آخر
س : بالنسبة لزكاة الفطر ، إذا صام صائم ثلثي الشهر في بلد ما ، وكان ينوي
صيام بقية الشهر في بلد آخر ويشهد العيد هناك . ففي أي البلدين يجب أن
يخرج الزكاة ؟
ج: يخرج المسلم زكاة فطره في البلد الذي يدركه فيه أول ليلة من شوال "
ليلة العيد " لأن هذه الزكاة ليس سببها الصيام وإنما سببها الفطر ولهذا
أضيفت إليه وسميت زكاة الفطر ولهذا لو مات إنسان قبل مغرب اليوم الأخير من
رمضان لم تكن زكاة الفطر واجبة عليه ، وإن صام سائر أيام رمضان . ولو ولد
مولود بعد مغرب آخر يوم من رمضان أي في الليلة الأولى لدخول شهر شوال كان
من الواجب إخراج زكاة الفطر عنه بالإجماع فهي زكاة مرتبطة بالعيد وبتعميم
الفرحة به بحيث تشمل الفقراء والمساكين ، ولهذا جاء في الحديث ( أغنوهم في
هذا اليوم ) .
خروج المرأة لصلاة التراويح
س: بعض المسلمات يواظبن على صلاة التراويح في المسجد ، تخرج إحداهن إلى
الصلاة بدون إذن زوجها ، كما أن بعضهن تسمع أصواتهن متحدثات في المسجد ،
فما حكم صلاتهن ، ؟ وهل هي واجبة عليهن ؟
ج: صلاة التراويح ليست واجبة على النساء ولا على الرجال ، وإنما هي سنة
لها منزلتها وثوابها العظيم عند الله . روى الشيخان عن أبي هريرة قال :
يأمرهم بعزيمة ثم يقول : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما
تقدم من ذنبه ) .
من صلى التراويح بخشوع واطمئنان مؤمناً محتسباً ، وصلى الصبح في وقتها ، فقد قام رمضان واستحق مثوبة القائمين .
وهذا يشمل الرجال والنساء جميعاً . إلا أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من
صلاتها بالمسجد ، ما لم يكن وراء ذهابها إلى المسجد فائدة أخرى غير مجرد
الصلاة ، مثل سماع موعظة دينية ، أو درس من دروس العلم ، أو سماع القرآن
من قاريء خاشع مجيد . فيكون الذهاب إلى المسجد لهذه الغاية أفضل وأولى .
وبخاصة أن معظم الرجال في عصرنا لا يفقهون نساءهم في الدين ، ولعلهم لو
أرادوا لم يجدوا عندهم القدرة على الموعظة والتثقيف، فلم يبق إلا المسجد
مصدراً لذلك فينبغي أن تتاح لها هذه الفرصة ، ولا يحال بينها وبين بيوت
الله . ولا سيما أن كثيراً من المسلمات إذا بقين في بيوتهن لا يجدن الرغبة
أو العزيمة التي تعينهن على أداء صلاة التراويح منفردات بخلاف ذلك في
المسجد والجماعة .
على أن خروج المرأة من بيتها - ولو إلى المسجد - يجب أن يكون بإذن الزوج ،
فهو راعي البيت ، والمسؤول عن الأسرة ، وطاعته واجبة ما لم يأمر بترك
فريضة ، أو اقتراف معصية فلا سمع له إذن ولا طاعة .
وليس من حق الرجل أن يمنع زوجته من الذهاب إلى المسجد إذا رغبت في ذلك إلا
لمانع معتبر . فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا
تمنعوا إماء الله مساجد الله ) .
والمانع المعتبر شرعاً : أن يكون الزوج مريضاً مثلاً ، وفي حاجة إلى
بقائها بجواره تخدمه وتقوم بحاجته . أو يكون لها أطفال صغار يتضررون من
تركهم وحدهم في البيت مدة الصلاة وليس معهم من يرعاهم ، ونحو ذلك من
الموانع والأعذار المعقولة .
وإذا كان الأولاد يحدثون ضجيجاً في المسجد ، ويشوشون على المصلين بكثرة
بكائهم وصراخهم ، فلا ينبغي أن تصطحبهم معها في فترة الصلاة . فإن ذلك وإن
جاز في صلوات الفرائض اليومية لقصر مدتها ينبغي أن يمنع في صلاة التراويح
لطول مدتها ، وعدم صبر الأطفال عن أمهاتهم هذه المدة التي قد تزيد على
الساعة .
وأما حديث النساء في المساجد ، فشأنه شأن حديث الرجال ، ولا يجوز أن يرتفع
الصوت به لغير حاجة . وبخاصة الأحاديث في أمور الدنيا ، فلم تجعل المساجد
لهذا ، إنما جعلت للعبادة أو العلم .
فعلى المسلمة الحريصة على دينها أن تلتزم الصمت في بيت الله ، حتى لا تشوش
على المصلين أو على درس العلم ، فإذا احتاجت إلى الكلام ، فليكن ذلك بصوت
خافت وبقدر الحاجة ، ولا تخرج عن الوقار والاحتشام في كلامها ولبسها
ومشيتها .
وأحب أن أقول هنا كلمة منصفة : إن بعض الرجال يسرفون إسرافاً شديداً في
الغيرة على جنس النساء ، والتضييق عليهن ، فلا يؤيدون فكرة ذهاب المرأة
إلى المسجد بحال ، برغم الحواجز الخشبية العالية التي تفصل بين الرجال
والنساء ، والتي لم يكن لها وجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته
، والتي تمنع النساء من معرفة تحركات الإمام إلا بالصوت والسماع ، ولا غرو
أن ترى بعض هؤلاء الرجال يسمحون لأنفسهم في المسجد بالكلام والأحاديث ،
ولا يسمح أحدهم لامرأة أن تهمس في أذن جارتها بكلمة ولو في شأن ديني ،
وهذا مبعثه التزمت وعدم الإنصاف ، والغيرة المذمومة التي جاء بها الحديث :
( إن من الغيرة ما يبغضه الله ورسوله ) ، وهي الغيرة في غير ريبة .
لقد فتحت الحياة الحديثة الأبواب للمرأة . فخرجت من بيتها إلى المدرسة
والجامعة والسوق وغيرها، وبقيت محرومة من خير البقاع وأفضل الأماكن وهو
المسجد . وإني أنادي بلا تحرج ، : أن أفسحوا للنساء في بيوت الله ، ليشهدن
الخير ، ويسمعن الموعظة ويتفقهن في الدين ، ولا بأس أن يكون من وراء ذلك
ترويح عنهن في غير معصية ولا ريبة ، ما دمن يخرجن محتشمات متوقرات بعيدات
عن مظاهر التبرج الممقوت . والحمد لله رب العالمين .
التليفزيون والصيام
س : ما رأي الشرع الحنيف في مشاهدة التليفزيون للصائم في رمضان ؟
ج: التلفزيون وسيلة من الوسائل ، فيه خير وفيه شر ، والوسائل لها حكم
المقاصد دائماً ، فالتلفزيون كالإذاعة .. وكالصحافة .. فيها ما هو طيب وما
هو خبيث . وعلى المسلم أن ينتفع بالطيب ، وأن يتجنب الخبيث ، سواء كان
صائماً أم غير صائم … ولكن في الصيام ، على المسلم أن يحتاط أكثر ، حتى لا
يفسد صومه ، وحتى لا يذهب أجره ويحرم من مثوبة الله عز وجل .
فمشاهدة التلفزيون ، لا أقول فيها حلال مطلق ولا حرام مطلق . وإنما يتبع
ذلك الشيء الذي يشاهد في هذا الجهاز : فإن كان خيراً جازت رؤيته ، وسماعه
، كبعض الأحاديث الدينية ، ونشرات الأخبار ، والبرامج الموجهة إلى الخير
.. وإن كان شراً كبعض المشاهد الراقصة الخليعة ونحو ذلك ، فهذا يحرم رؤيته
في كل وقت ، ويتأكد ذلك في شهر رمضان .
وبعض المشاهد تكره رؤيتها وإن لم تصل إلى درجة الحرمة ، وكل وسيلة من الوسائل تصد عن ذكر الله فهي حرام ..
فإذا كانت مشاهدة التلفزيون ، أو سماع الراديو وغير ذلك ، يلهي عن واجب
أوجبه الله على عباده كالصلاة .. ففي هذه الحالة يحرم … يحرم الاشتغال عن
الصلاة بأي شيء … فالله سبحانه وتعالى حينما علل تحريم الخمر والميسر ،
جعل من هذه العلة ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في
الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ؟ ) المائدة
: 91 .
وعلى المسئولين عن برامج التلفزيون ، أن يتقوا الله فيما ينبغي أن يقدم
للجمهور دائماً ، وفي رمضان خاصة ، رعاية لحرمة الشهر المبارك ، وإعانة
للناس على طاعة الله ، والاستزادة من الخيرات ، حتى لا يحملوا إثم أنفسهم
، وإثم المشاهدين معهم ، كالذين قال الله فيهم : ( ليحملوا أوزارهم كاملة
يوم القيامة ، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ، ألا ساء ما يزرون )
النحل:25.
الإسراع في صلاة التراويح
س: ما حكم الإسراع في صلاة التراويح ؟
ج : ثبت في الصحيحين عن رسو ل الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من قام
رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) . فالله سبحانه وتعالى
شرع في رمضان في نهاره الصيام ، وشرع عل لسان رسوله في ليله القيام ، وجعل
هذا القيام سبباً للتطهر من الذنوب والخطايا .. ولكن القيام الذي تغفر به
الذنوب ، وتغسل فيه الأدناس ، هو الذي يؤديه المسلم كاملا بشروطه وأركانه
وآدابه وحدوده . وقد علمنا أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة كقراءة
الفاتحة ، وكالركوع وكالسجود.. فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أساء
بعض الناس الصلاة أمامه ولم يؤد لها حقها من الاطمئنان ، قال له : (ارجع
فصل ، فإنك لم تصل) .. ثم علمه كيف تكون الصلاة المقبولة فقال له: (اركع
حتى تطمئن راكعاً ، واعتدل حتى تطمئن قائماً ، واسجد حتى تطمئن ساجداً ،
واجلس بين السجدتين حتى تطمئن جالساً وهكذا )(رواه الشيخان وأصحاب السنن
من حديث أبي هريرة ) فالطمأنينة في جميع هذه الأركان شرط لا بد منه ، وحد
الطمأنينة المشروطة قد اختلف فيه العلماء . فمنهم من جعل أدناه أن يكون
مقدار تسبيحة كأن يقول : سبحان ربي الأعلى مثلا . وبعضهم - كالإمام شيخ
الإسلام ابن تيمية اشترط أن يكون مقدار الطمأنينة في الركوع والسجود نحو
ثلاث تسبيحات ، فقد جاء في السنة أن التسبيح ثلاث ، وذلك أدناه ، فلا بد
أن تطمئن بمقدار ثلاث تسبيحات .. ويقول الله عز وجل : ( قد أفلح المؤمنون.
الذين هم في صلاتهم خاشعون )المؤمنون : 1،2 .
والخشوع نوعان : خشوع بدن ، وخشوع قلب .
فخشوع البدن : أن يطمئن البدن ولا يعبث ولا يلتفت المرء تلفت الثعلب ..
ولا ينقر الركعات والسجدات نقر الديكة وإنما يؤديها بأركانها وحدودها كما
شرعها الله عز وجل ..
لابد إذن من خشوع البدن .. ولا بد من خشوع القلب …
وخشوع القلب معناه استحضار عظمة الله عز وجل ، وذلك بالتأمل في معاني
الآيات التي تتلى ، وبتذكر الآخرة ، وبتذكر أن المصلي بين يدي الله عز وجل
.. وأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي
نصفين ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) . قال الله تعالى :
حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) . قال الله عز وجل : أثنى
عليًّ عبدي. وإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال الله تعالى : مجدني عبدي .
وإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ، قال الله تعالى : هذا بيني وبين
عبدي ، وإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم ) . قال الله تعالى : هذا
لعبدي . و لعبدي ما سأل ) (رواه مسلم )
فالله سبحانه وتعالى ليس بمعزل عن المصلي ، ولكنه يجيبه فلا بد أن يتجاوب
المسلم المصلي مع الله عز وجل ، وأن يستحضر قلبه في كل حركة من حركات
الصلاة ، وفي كل وقت من أوقاتها ، وفي كل ركن من أركانها ، فالذين يصلون
وكل همهم أن يفرغوا من الصلاة ، وأن يتخلصوا منها ، وأن يلقوها كأنها عبء
فوق ظهورهم ، فإنها ليست هذه هي الصلاة المطلوبة وكثير من الناس يصلون في
رمضان العشرين والثلاث والعشرين ركعة في دقائق معدودات ، كل همه أن يخطف
الصلاة خطفاً ، وأن ينتهي منها في أسرع وقت ممكن … لا يتم ركوعها ولا
سجودها ولا خشوعها .. فهذه كما ورد في الحديث : ( تعرج إلى السماء وهي
سوداء مظلمة تقول لصاحبها : ضيعك الله كما ضيعتني). والصلاة الخاشعة
المطمئنة تعرج إلى السماء بيضاء ناصعة تقول لصاحبها : حفظك الله كما
حفظتني .
ونصيحتي لكثير من الأئمة والمصلين الذين يصلون هذا العدد بغير إتقان ولا
خشوع ولا حضور قلب ولا سكون بدن ، أن يصلوا ثماني ركعات مطمئنة خاشعة
متقنة خير من هذه العشرين ، فليست العبرة بالكمِّ والكثرة ، ولكن العبرة
بالكيف والنوع … العبرة في الصلاة نفسها .. هل هي صلاة الخاشعين ؟ أم هي
صلاة الخاطفين ؟
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المؤمنين الخاشعين .
حبوب تأخير الحيض في رمضان
س: نحن نعلم أن صيام رمضان خير وبركة في جميع أيامه ، ولا نحب أن نحرم من
بعض هذه الأيام صوماً ولا صلاة ، فهل يجوز لنا استعمال حبوب منع الحيض مع
العلم بأن البعض قد جربه ولم يضر ؟
ج: أجمع المسلمون على أن المسلمة التي تأتيها العادة الشهرية في رمضان
المبارك لا صيام عليها ، أي لا صيام عليها في الشهر وإنما يجب عليها
القضاء ، وذلك تخفيف من الله ورحمة بالمرأة الحائض حيث يكون جسمها متعباً
وأعصابها متوترة ، فأوجب عليها الإفطار إيجاباً وليس إباحة .. فإذا صامت
لا يقبل منها الصيام ولا يجزئها ، ولا بد أن تقضي أياماً بدل هذه الأيام ،
وهكذا كان يفعل النساء المسلمات منذ عهد أمهات المؤمنين والصحابيات رضي
الله عنهن ومن تبعهن بإحسان - ولا حرج إذن على المرأة المسلمة إذا وافتها
هذه العادة الشهرية أن تفطر في رمضان ، وأن تقضي بعد ذلك كما جاء عن عائشة
: كنا نؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة (رواه البخاري ).
وأنا افضل شخصياً أن تسير الأمور على الطبيعة وعلى الفطرة . فما دام هذا
الحيض أمراً طبيعياً فطرياً فليبق كما هو على الطبيعة التي جعلها الله عز
وجل ، ولكن إذا كان هناك نوع من الحبوب والأدوية تتعاطاها بعض النساء ،
لتأجيل الحيض كما هو معروف من حبوب منع الحمل ، وأرادت بعض النساء أن
يتناولن هذه الحبوب لتأخير العادة عن موعدها حتى لا تفطر بعض أيام رمضان ،
فهذا لا بأس به بشرط أن تتأكد من عدم إضراره بها . وذلك باستشارة أهل
الذكر ، أهل الخبرة .. باستشارة طبيب حتى لا تتضرر من تناول هذه الحبوب .
فإذا تأكد لها ذلك وتناولت هذه الحبوب وتأخرت العادة صامت ، فإن صيامها
مقبول إن شاء الله .
س: لقد اضطررت للإفطار ستة أيام في السنة الماضية في شهر رمضان المبارك
بسبب العادة الشهرية ، وعندما أردت قضاء هذه الأيام بدأت بصومها في
العشرين من شعبان وبعد ما صمت يومين أتاني كثير من الناس وقالوا لي : إنه
لا يجوز قضاء الصوم في شهر شعبان فما رأيكم في هذا ؟
ج: لا حرج ولا بأس بقضاء ما فات المسلمة أو المسلم من رمضان في أي شهر من
الشهور حتى في شعبان نفسه ، بل قد ورد أن عائشة كانت أحياناً تتأخر بقضاء
بعض الأيام إلى شعبان فتصومها قبل أن يأتي رمضان فلتطمئن المسلمة على
الأيام التي صامتها ، وهي مقبولة ومجزئة عنها والله تعالى يتقبل من
المتقين .
حكم أخذ الإبر أو الحقن في الصيام ، ووضع الدواء في الأذن والاكتحال
س: هل يصح للمريض أن يأخذ حقناً في شهر رمضان أو حقناً شرجية ، وهل يصح
للمريض وهو صائم وآذانه تؤلمه أن يضع فيها الدواء ، وهل يصح للمرأة أن
تكحل عينيها في شهر رمضان صباحاً ؟
ج: نقول لكل من يستفسر عن أخذ الحقن أو الإبر في شهر رمضان بأن الإبر
أنواع فمنها ما يؤخذ كدواء وعلاج ، سواء كان في الوريد أو في العضل أو تحت
الجلد ، فهذه لا مجال للخلاف فيها ، فهي لا تصل إلى المعدة ، ولا تغذي ،
فهي لذلك لا تفطر الصائم ولا مجال للكلام هنا .
إنما هناك نوع من الإبر يصل بالغذاء مصفى إلى الجسم ، كإبر الجلوكوز فهي
تصل بالغذاء إلى الدم مباشرة ، فهذه قد اختلف فيها علماء العصر ، حيث أن
السلف لم يعرفوا هذه الأنواع من العلاجات والأدوية ، ولم يرد عن النبي صلى
الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن العصور الأولى شيء
في هذا الأمر ، فهذا أمر مستحدث ، ولهذا اختلف فيه علماء العصر ، فمنهم من
يرى هذا النوع مفطراً لأنه يصل بالغذاء إلى أقصى درجاته حيث يصل إلى الدم
مباشرة ، وبعضهم يقول : إنها لا تفطر أيضاً ، وإن كانت تصل إلى الدم لأن
الذي يفطر هو الذي يصل إلى المعدة ، والذي يشعر الإنسان بعده بالشبع ، أو
بالري فالمفروض في الصيام هو حرمان شهوة البطن وشهوة الفرج ، أي أن يشعر
الإنسان بالجوع وبالعطش ، ومن هنا يرى هؤلاء العلماء أن هذه الإبر المغذية
أيضاً لا تفطر .
ومع أني أميل إلى هذا الرأي الأخير أرى أن الأحوط على كل حال أن يمتنع
المسلم عن هذه الإبر في نهار رمضان ، فعنده متسع لأخذها بعد الغروب . وإن
كان مريضاً فقد أباح الله له الفطر ، فإن هذه الإبر وإن لم تكن تغذي
بالفعل ، تغذية الطعام والشراب وإن لم يشعر الإنسان بعدها بزوال الجوع
والعطش كالأكل والشرب المباشرين ، فهو على الأقل يشعر بنوع من الانتعاش ،
بزوال التعب الذي يزاوله ويعانيه الصائم عادة ، وقد أراد الله من الصيام
أن يشعر الإنسان بالجوع والعطش ، ليعرف مقدار نعمة الله عليه ، وليحس
بالآم المتألمين وبجوع الجائعين وبؤس البائسين .. فنخشى إذا فتحنا الباب
لهذه الإبر أن يذهب بعض القادرين الأثرياء فيتناول هذه الإبر بالنهار
لتعطيهم نوعاً من القوة وقدراً من الانتعاش لكي لا يحسوا كثيراً بألم
الجوع وبألم الصيام في نهار رمضان ، فالأولى أن يؤجلها الصائم إلى ما بعد
الإفطار .
هذا جواب السؤال الأول .
أما السؤال الثاني والثالث أيضاً .. وهو ما يتصل بوضع الدواء في الأذن
وكذلك تكحيل العينين في نهار رمضان ، ومثل ذلك الحقنة الشرجية هذه كلها
أشياء ربما يصل بعضها إلى الجوف ولكنها لا تصل إلى الجوف من منفذ طبيعي
وليس من شأنها أن تغذي ولا أن يشعر الإنسان بعدها بانتعاش أو نحو ذلك ، و
قد اختلف العلماء قديماً وحديثاً في شأنها ما بين متشدد وما بين مترخص .
فمن العلماء من حكم بأن هذه الأشياء مفطرة . ومن العلماء من قال بأن هذه
الأشياء ليست منفذاً طبيعياً إلى الجوف فهي لذلك لا تفطر، والحقيقة أني
أختار بأن هذه الأشياء ـ أعنى استعمال الكحل ومثله القطرة في العين ومثل
ذلك التقطير في الأذن وكذلك وضع المراهم ونحوها في الدبر لمن عنده مرض
البواسير وما شابه ذلك … والحقنة الشرجية أيضاً .. وهي التي يستعملها من
يشكو الإمساك ـ كل هذه الأمور أرى أنها لا تفطر ، وهذا الذي أفتى به هو ما
اختاره ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه فقد ذكر تنازع العلماء في
هذه الأشياء ثم قال : والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك فإن الصيام من دين
الإسلام الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام ، فلو كانت هذه الأمور مما
حرمه الله ورسوله في الصيام ، ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على
الرسول بيانه ، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة ، كما بلغوا سائر
شرعه ، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً
ولا مسنداً ولا مرسلاً ، علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك ، قال : والحديث
الذي يروى في الكحل ضعيف ، وقال يحيى بن معين : هذا حديث منكر .
هذه هي فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية وهو مبنية على أصلين :
الأول : أن الأحكام التي تعم بها البلوى ويحتاج إلى معرفتها جمهور الناس
يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم بيانها للأمة ، فإنه المبين للناس ما
نزل إليهم ، قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )
النحل : 44 كما يجب على الأمة أن تفعل هذا البيان من بعده . هذا أصل .
والأصل الثاني : أن الاكتحال والتقطير في الأذن ونحوها مما لم يزل الناس
يستعملونه من أقدم العصور فهو مما تعم به البلوى ، شأنه شأن الاغتسال
والأدهان والبخور والطيب ونحوها ، فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي صلى
الله عليه وسلم ، كما بين الإفطار بغيره ، فلما لم يبين ذلك علم أنه من
جنس الطيب والبخور والدهن .. أي زيت الشعر ونحوها .. قال ابن تيمية :
والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل إلى الدماغ ، وينعقد أجساماً ، والدهن
يشربه البدن ، ويدخل إلى داخله ويتقوى به ، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة ،
فلما لم ينه الصائم عن ذلك ، دل على جواز تطيبه وتبخره ودهنه وكذلك
اكتحاله . ومن جملة ما قال ابن تيمية في هذه الفتوى : أن الكحل لا يغذي
البتة ، ولا يدخل أحد كحلا إلى جوفه ، لا من أنفه ولا من فمه ، وكذلك
الحقنة ( يعني الشرجية ) لا تغذي بل تستفرغ ما في البدن ، كما لو شم شيئاً
من المسهلات ، أو فزع فزعاً أوجب استطلاق بطنه ، وهي لا تصل إلى المعدة ..
وهذا كلام جيد وفهم عميق لفقه الإسلام ، وهو الذي نختاره ونفتي به .
وبالله التوفيق .
استعمال السواك ومعجون الأسنان للصائم
س: ما حكم استعمال السواك للصائم ، وخاصة الاستياك بمعجون الأسنان ؟
ج: السواك قبل الزوال مستحب كما هو دائماً ، وبعد الزوال اختلف الفقهاء
فقال بعضهم : يكره الاستياك للصائم بعد الزوال . وحجته في ذلك أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند
الله من ريح المسك ) (رواه البخاري من حديث أبي هريرة ) فهو يرى أن ريح
المسك هذا لا يحسن أن يزيله المسلم ، أو يكره له أن يزيله ، ما دامت هذه
الرائحة مقبولة عند الله ومحبوبة عند الله ، فليبقها الصائم ولا يزيلها ،
وهذا مثل الدماء .. دماء الجراح .. التي يصاب بها الشهيد ، قال النبي صلى
الله عليه وسلم في الشهداء : ( زملوهم بدمائهم وثيابهم ، فإنما يبعثون بها
عند الله يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك ) ولذلك يبقى
الشهيد بدمه وثيابه لا يغسل ولا يزال أثر الدم . قاسوا هذا على ذلك .
والصحيح أنه لا يقاس هذا على ذلك ، فذلك له مقام خاص ، وقد جاء عن بعض
الصحابة أنه قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتسوك ما لا يحصى وهو
صائم ) فالسواك في الصيام مستحب قبل الصيام وبعد الصيام … فهو سنة أوصي
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب
)(رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما .ورواه البخاري معلقاً
مجزوما). ولم يفرق بين الصوم وغيره .
أما معجون الأسنان ، فينبغي التحوط في استعماله بألا يدخل شيء منه إلى
الجوف وهذا الذي يدخل إلى الجوف مفطر عند أكثر العلماء ، ولذا فالأولى أن
يجتنب المسلم ذلك ويؤخره إلى ما بعد الإفطار، ولكن إذا استعمله واحتاط
لنفسه وكان حذراً في ذلك ودخل شيء إلى جوفه فهو معفو عنه والله سبحانه
وتعالى يقول : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، ولكن ما تعمدت قلوبكم )
الأحزاب : 5 والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( رفع عن أمتي الخطأ
والنسيان وما استكرهوا عليه ) والله تعالى أعلم .
المسافة التي يجوز للمسافر فيها الإفطار
س: ما هي المسافة التي يجوز للمسافر إذا قطعها أن يفطر هل هي حقاً 81 كيلو
متراً ؟ وهل يجوز له ألا يفطر إذا لم يواجه مشقة في سفره ؟
ج : أما المسافر فله أن يفطر بنص القرآن الكريم : ( فمن كان منكم مريضاً
أو على سفر فعدة من أيام أخر ) والمسافة قد اختلف فيها الفقهاء ولكن هذه
المسافة التي يسأل عنها السائل وهو أكثر من 80 كيلو متراً أعتقد أن الجميع
يوافقون عليها وقد قدرت المسافة لقصر الصلاة ولإباحة الفطر عند أكثر
المذاهب بنحو 84 كيلو متراً وهذه التقديرات تقريبية …ولم يجيء عن النبي
صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه تقدير بالمتر ولا بالكيلو متر ، فهذه
المسافة كافية ، وإن كان بعض العلماء لا يشترط مسافة أصلا ، فإن كل سفر
يسمى سفراً لغة وعرفاً يجيز فيه قصر الصلاة ، كما يجيز فيه للمسافر أن
يفطر .. هذا ما قرره القرآن الكريم وما قررته السنة ، وهو مخير في ذلك ،
فقد كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يسافرون مع النبي صلى الله عليه
وسلم قالوا : فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب المفطر على الصائم ، ولم
يعب الصائم على المفطر . ولكن المسافر الذي يشق عليه الصوم مشقة شديدة
يكره له أن يصوم ، بل ربما حرم عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في رجل
ظلل عليه من شدة مشقة الصوم عليه ، فسأل عنه فقالوا : صائم . فقال صلى
الله عليه وسلم : ( ليس من البر الصيام في السفر ) (رواه البخاري ) وذلك
فيمن اشتدت المشقة عليه ، ومن لم يشق عليه فهو بالخيار كما قلنا ، يصوم أو
يفطر ، ولكن ما أفضلهما ؟
اختلف العلماء ، بعضهم فضل الصيام ، وبعضهم فضل الفطر ، وقال عمر ابن عبد
العزيز : أيسرهما أفضلهما . فبعض الناس يكون أيسر عليه أن يصوم مع
الصائمين ، لئلا يقضي بعد ذلك أياماً والناس مفطرون ، فهذا نقول له : صم .
وبعض الناس يرى أن الفطر عليه أيسر في رمضان ، ليقضي أموراً ، ويقضي حاجات
ويتحرك بسهولة ، في قضاء ما شرع الله له وما أباح له فهذا نقول له : افطر
واقض عدة من أيام أخر . فأيسرهما على صاحبه فهو أفضل . وروى أبو داود عن
حمزة ابن عامر الأسلمي قال : قلت يا رسول الله إني صاحب ظهر ( أي صاحب
ركوبة ) أعالجه وأسافر عليه ، وإنه ربما صادفني هذا الشهر وأنا أجد القوة
، وأنا شاب ، وأجدني أن أصوم يا رسول الله أهون عليَّ من أن أؤخر فيكون
ديناً علي ، أفأصوم يا رسول الله ؟ أعظم لأجري ؟ أم أفطر ؟ قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( أي ذلك شئت يا حمزة ) . أي اختر ما يتيسر لك .
وفي رواية النسائي عنه : أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أجد قوة
على الصيام في السفر ، فهل عليَّ جناح ؟ قال : ( هي رخصة الله لك ، فمن
أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ) . هذا هو شرع الله في
المسافر . وليس من الضرورة ولا من الشرط في هذه الرخصة أن تكون المشقة
شديدة أن تتحقق المشقة ، بل السفر نفسه مبيح للفطر ، لم يعلق الله الرخصة
على المشقة ، وإنما علقها على السفر . فان المشقة لو علق بها الحكم لاختلف
الناس فيها اختلافاً شديداً ، فالمتزمت يعاني أصعب المشقات ، ومع هذا يقول
: ليست هذه مشقة فيكلف نفسه ما يرهقها ، وما يعنتها ، والله لا يريد إعنات
عباده . والمترخص يعتبر أدنى جهد مشقة عليه .
لهذا علق الله حكم الإفطار في السفر ، على السفر نفسه ، فلو سافر الإنسان
في طائرة أو في قطار أو في سيارة ، فله أن يفطر ، فإن المسألة أن عليه
الدين ، عليه أن يقضي عدة من أيام أخر ، لا يسقط عنه ال